قصة حب قاتلة

0 1٬166

 

قصة حب قاتلة

 

ألكسندر بوشكين وأجمل حسناوات موسكو

القصة من:

كتاب الحياة السرية: محطات غرامية في حياة المشاهير

 

ترجمة وإعداد: فرح عمران

 

قصة حب قاتلة- الحياة السرية- ترجمة وإعداد فرح عمران
قصة حب قاتلة- الحياة السرية- ترجمة وإعداد فرح عمران
كيف بدأت شرارة الحب؟
التقى الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين بفتاة تضج بالجمال والحيوية في إحدى الحفلات الراقصة، رقصا سويةً وضحكا وتبادلا أطراف الحديث، حصل ذلك في ديسمبر/كانون الأوّل من عام 1828، وكانت تلك الفتاة نتاليا غونتشاروفا، واحدة من أجمل فتيات موسكو في ذلك الحين.

 

الغرام والرفض
أُغرم الشاعر بها وهام بجمالها، ولم يمض شهر بعد تعارفهما حتّى تقدّم لخطبتها، إلا أنّه اصطدم برفض والديها، إذ لم يكن بوشكين غنياً، فيما تكاد ابنتهما تنطق بالجمال، ولن يتردد الكثير من النبلاء الأثرياء بطلب يدها.
غزا الإحباط بوشكين الشاب، وأحزنه، ولم يطق وجوده في نفس المدينة التي تتنفس فيها نتاليا، فغادرها وقد عزم المشاركة في الحرب ضدّ تركيا، إلا أنّ الجنرال المسؤول لم يضمه إلى القوات المشاركة؛ وفي غضون عام عاد بوشكين وكلّه إصرار بالظفر بقلبها، وتقدّم لخطبتها من جديد، وهذه المرّة، وإنْ كانت بعد تردد بسيط، قبلت نتاليا الزواج به، وفي أبريل/نيسان 1830 أصبحت زوجة الشاعر الشهير وملهمته الحسناء.

ملخص كتاب سيكولوجية المال

بداية الحياة الزوجية
يقال أنّه في عرسهما، وأثناء تبادل الخواتم، سقط خاتم بوشكين على أرض الكنيسة، وانطفأت شمعته، فشحب وجهه، وقال قلقاً: “ما هذا إلا نذير شؤم!”
على أنّه سرعان ما نسي مثل هذا التفصيل البسيط، وقد عمّت قلبه البهجة الغامرة بوجوده قرب محبوبته نتاليا، وبعد فترة قصيرة من الزفاف كتب لصديقه بليتنيف:
“لقد تزوجتُ وتغمرني السعادة، وإنْ كان هناك ما سيتغيّر في حياتي فمن الأفضل ألا يتأخر، إنّي جدّ مسرور بحالي هذه، وأعتقد أنّي ولدتُ من جديد”.
استقر الزوجان في شقة في موسكو، وكان الشاعر قد استأجرها قبل زفافه، على أنّه لم يطق تدخل والدة زوجته في حياته الأسرية، وفي منتصف مايو/أيار من عام 1831 انتقلت العائلة الحديثة إلى تسارسكوي سيلو في ضواحي سان بطرسبورغ، ورغم ابتعادهما عن المشاكل العائلية لم ينقطعا عن التواصل مع الأقارب والأصدقاء المقرّبين.
وفي تلك الفترة انغمس بوشكين في دراسة التاريخ، وقام برحلة إلى الفولغا والأورال في عام 1933، وفي العام نفسه انتُخب بوشكين عضواً في الأكاديمية الروسية.

بيكاسو وجاكلين – الحياة السرية

وعندما ضرب وباء الكوليرا في يوليو/تموز من ذات العام، انتقلت الأسرة القيصرية إلى تسارسكوي سيلو؛ وفي إحدى المرّات كان الزوجان يتنزهان في أحد أكثر الأماكن انعزالاً في المنطقة، وفجأةً ظهر أمامهما القيصر وزوجته، توقف القيصر وزوجته للتحدّث إليهما، وخلال الحديث تحدّثت الإمبراطورة مع نتاليا ودعتها لزيارة البلاط.
وهكذا وبعد فترة قصيرة وجد بوشكين نفسه متورطاً في خدمة القيصر ومجتمع البلاط، وانتقل في خريف عام 1831 إلى شقة في سان بطرسبورغ، حيث استقرا هناك استقراراً نهائياً.

 

الجمال الصارخ والقيصر!
 أثار جمال نتاليا الصارخ إعجاب المجتمع المخملي في المدينة القيصرية، وفي البداية ملأ الزهو نفس بوشكين بنجاح زوجته في اختراق أوساط المجتمع الراقي، ولعلها فعلت ذلك بفضل تحفظها وهدوئها وصمتها الطويل وطبيعتها الخجلة، ورغم سرعة اعتيادها على المجتمع المخملي إلا أنّها لم تصبح سيدة نخبوية حقيقية، على أنّ بوشكين الذي لديه من الخصوم بقدر ما لديه من الأصدقاء لم يستسغ فيما بعد هذا الاهتمام المفرط بجمال زوجته.
ويبدو أنّ هذا الإعجاب المبالغ به قد راق لنتاليا، التي أصبحت نجمة حفلات البلاط الراقصة حتى في غياب زوجها، وفي إحدى هذه الحفلات في مارس/آذار من عام 1834 أدت مشاركتها في الرقص إلى تعرّضها للإجهاض، كان بوشكين مسافراً للنقاهة في المقاطعات البعيدة عندما سمع بهذا، فأخذ يلومها علانية في رسائله معبّراً عن شعوره بالسخط والإهانة من مشاركتها في تلك الحفلات الراقصة في غيابه، على أنّ رسائله وعتبه وخيبته تلك لم تصل إليها.
اُعترضت رسائله وأُرسلت على الفور إلى الشرطة وإلى القيصر الذي كان من المعجبين بجمال نتاليا وسطوعها في الحفلات التي يقيمها على الدوام، وعندما اكتشف بوشكين ما يحصل لرسائله، انفجر حانقاً وفي نوبة غضبه تلك سارع لتقديم استقالته من الخدمة في 25 يونيو/حزيران من عام 1934.
لم تكن تلك خطوةً عاديةً في ذلك الزمن لمن يعمل في خدمة القيصر، وعندما هدأت نفسه انتابه القلق وخاف من الأسوأ، إذ أنّ تصرفه هذا سيثير استياء القيصر دون شك، خلا عن أنّه لم يكن قادراً على التخلي عن عمله بهذه السهولة بسبب نفقات زوجته الباذخة، ما اضطره في النهاية إلى سحب استقالته.

 

الزوج البائس والزوجة العابثة
هذا لم يردع نتاليا عن مواصلة حضور الحفلات الراقصة، لتزداد معاناته أكثر عندما قَدِمتْ شقيقتاها العازبتان في خريف عام 1834 للعيش معهما على الدوام؛ وكأنّ ذلك لم يكن كافياً، إذ تزامن ذلك مع توليه إدارة ممتلكات والده المبذّر، وتعهد بتسوية ديون أخيه المتهور، وهكذا تراكمت المسؤوليات المالية على عاتقه، وتكاثرت المضايقات وبلغت حدّاً لا يُطاق.
ومع اشتداد ضائقته المالية، حاول المناورة، فتقدّم بطلب إجازة لمدة ثلاث أو أربع سنوات، وتقدّم في حال الرفض بطلب للحصول على قرض كبير يغطي ديونه الملحّة، ولإذن رسمي لنشر مجلة؛ قوبل طلب الإجارة برفض قاطع، فيما تمت الموافقة على قرض يبلغ ثلاثين ألف روبل، وبعد مفاوضات مُنح إذن النشر، لتنطلق بدءاً من عام 1836 مجلة “المعاصر” التي رأس تحريرها.
لكن آماله بالانتعاش المالي لم تصب، إذ لم تستطع مجلته كسب المردود اللازم لضمان استمرارية صدورها، وهذا ما عانت منه جلّ المنشورات الروسية آنذاك، ولم يحصل بوشكين سوى على 600 مشترك لمجلته، وهو رقم مخيّب جداً، ما اضطره لكتابة الكثير من المواضيع والمقالات بأسماء مستعارة لتغطية عدم قدرته على تمويل كتّاب آخرين.

غالا وسلفادور دالي على عرش السريالية -الحياة السرية0

ومع ذلك كان مستوى المجلة الثقافي رفيعاً، ونشرت الكثير من نتاج غوغول مثل قصته الشهيرة “الأنف”، والعديد من مقالات النقاد وقصائد الشعراء مثل جوكوفسكي وكولتسوف وتوتشيف، بالإضافة إلى دراسات نقدية وتاريخية متنوعة، كما نشر بوشكين بعض قصصه فيها ومنها “ابنة الآمر” و”التاجر البخيل”.
وفي خضم انشغاله العميق، ومحاولته تدبّر أمر الديون ونفقات أسرته، بدت نتاليا وكأنّها قد أدمنت على اهتمام المجتمع الأرستقراطي، بل وزاد شغفها بالدلع والظهور بين معجبيها، وانخرطت في دسائس المجتمع؛ وفي عام 1835 التقت نتاليا بشاب لا يكتفي بالدلع، وهو ضابط مهاجر فرنسي وسيم مناصر للملكية، معادٍ للثورة الفرنسية، كان ذلك الشاب جورج دانتس الذي وضع نفسه في خدمة البلاط الروسي، والذي تبناه السفير الهولندي والبارون هيكرين وأعطاه لقبه.

محطة: نيكوس كازانتزاكيس وحبيبته لينوتشكا

العشق السريّ
طارد دانتس السيدة بوشكين لمدة عامين، وانتشرت شائعات في البلاط عن علاقة غرامية تجمعهما، وفيما كان بوشكين في قمة انشغاله وسعيه اليائس لتسوية مديونيته، تلقى عدّة رسائل مهينة تتعلق بعلاقة زوجته بدانتس، وتصفه بالزوج المخدوع الذي يكتفي بمشاهدة زوجته في علاقة غرامية مع غيره دون أن يحرّك ساكناً، انفجر غيظ الشاعر وهو المعروف بانفعاله السريع الذي دفعه لخوض العديد من المبارزات، وسرعان ما تحدى دانتس للمبارزة.
تدخل هيكرين والد دانتس بالتبني لإلغاء أو تأجيل المبارزة الخطيرة، وتدبّر عدّة حجج منها رغبة دانتس بالزواج من يكاترينا جونشاروفا شقيقة نتاليا، وأنّه سيتقدّم لخطبتها بالفعل، فألغى بوشكين تحديه؛ وفي عام 1937 حصل الزواج خلافاً لتوقعاته، لكنه رفض حضور الزفاف أو استقبال الزوجين في منزله.
ورغم زواجه، واصل دانتس مطاردة نتاليا علانيةً، ووصل حدّ ترتيب لقاء معها، إذ أقنع صديقتها إيداليا بوليتيكا بدعوة نتاليا إلى منزلها، وعندما اجتمع الثلاثة غادرت إيداليا على الفور لتتركهما لوحدهما، لكن خطته لم يُكتب لها النجاح، فقد دخل أحد أبناء إيداليا الغرفة، فسارعت نتاليا بالفرار.

 

التحدي المجنون
وعندما سمع بوشكين بما حصلَ، جنّ جنونه وأرسل على الفور رسالةً مهينةً إلى هيكرين، إذ اعتبر أنّ الأمر من تخطيطه، واتهمه بإرسال رسائل الوشاية التي تلقاها، ناعتاً إياه بأشنع الصفات، وأصرّ على تحدي ابنه بالتبني دانتس رافضاً أي تأجيل أو حجة لإلغاء المبارزة مهما كانت.
وفي يوم المبارزة المشهود في 27 يناير/كانون الثاني من عام 1837، مارس بوشكين عمله الاعتيادي كرئيس تحرير مجلته، فاطلع على المقالات وكتب هوامشه عليها، ومن ثم اتجه إلى منطقة قريبة من نهر تشورنايا في محيط سان بطرسبورغ.
وقف الخصمان في مواجهة بعضهما البعض، وكان دانتس الأسرع في توجيه مسدسه إلى بوشكين، فأطلق رصاصة اخترقت بطنه ليرتمي على الثلج، استنهض بوشكين قواه وأطلق النار على خصمه ليصيبه إصابة طفيفة، عانى بوشكين من آلام شديدة ليومين قبل أن يسلّم روحه تحت أنظار زوجته المفجوعة، وهكذا غادر شاعر روسيا الأكبر الحياة عن عمر 38 عام فقط، لتشكّل وفاته صدمةً قاسيةً على زوجته.

 

القيصر الحنون وإرث الشاعر
مرضت نتاليا بعد وفاته، وأصرّت على دفنه في سترة سوداء لا بالزي العسكري الذي لم يكن يحبّه، وبسبب الحزن القاتم الذي خيّم على الشعب الذي أحبّ بوشكين، وربما بسبب تأثره بملامح الأسى التي ارتسمت على وجهها الحزين، أصدر القيصر قراراً بتسديد ديون بوشكين وتقديم معاشٍ لأرملته وابنتيه.
ورغم رحيل الشاعر الكبير، إلا أنّ أصدقائه كانوا يعرفون حال عائلته الصعب وشغفه بالمجلة التي أصدرها، فقرروا الاستمرار بإصدارها دعماً لعائلته، وأعادوا إصداراها بنفس الحجم والشكل والنهج السابق، ونشروا ما لم يستطع بوشكين نشره من نتاجه، وحوّلوا المجلة إلى مجلة شهرية، ومن ثم بعد عشرة أعوام انتقلت ملكية المجلة للشاعر الروسي نكراسوف الذي أضاف إليها مساهمات أدباء روس كبار من أمثال تولستوي وأستروفسكي وتورغينيف وغانجروف وغيرتسن، لتبقى مجلة بوشكين على قيد الحياة حتى عام 1866، أغلقتها السلطة القيصرية دون أن تتمكن من وقف انتشار عبق بوشكين الأدبي، وهو الشاعر المحبوب حتى يومنا هذا.

 

تجدون الكتاب على موقع الغودريدز Goodreads:
https://bit.ly/2NvmcV8
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.